02 مارس 2010

قرصنة التاريخ والتاريخ*


احتفلت إسرائيل مبكرا هذا العام بذكرى هجوم الإرهابي باروخ غولدشتاين على الحرم الإبراهيمي، بضمها للحرم ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم إلى قائمة التراث اليهودي، استمرارا منها في خلق وقائع جديدة في الأراضي المحتلة، وتحد لكل القوانين والأعراف الدولية والتي تستمر إسرائيل في انتهاكها واضعة نصب عينيها تحقيق أمجادها التوراتية في ظل حكومة يمنية ممتلئة بالحاخامات والمتطرفين.
لا حاجة في سرد تاريخ الوقائع الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وسعيها الدائم لتكون دولة يهودية خالصة، إلا إن الجديد في هذه الحادثة هو قيامها بضم معلمين تاريخين داخل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية وخارج مدينة القدس.
إسرائيل تحاول من خلال هذا الإجراء خلق واقع جديد، كونها ستصبح المسؤولة عن تدبير شؤون المكانين، وتهيئة الأجواء لتهويدهما، واحتقارا للخمسين شهيدا ولأكثر من ثلاثمائة جريحا الذين سقطوا ضحية المجرم غولدشتاين أثناء هجومه على الحرم الإبراهيمي في 25 فبراير 1994.
إسرائيل تبحث عن تاريخ لها، وعن حضارة تزعم فقدانها جراء تعرض شعبها المحب للخير والمستضعف من قبل كل الأمم للدمار، وتحفر تحت أساسات المسجد الأقصى بحثا عن خرافة أسطورية هوليودية، حتى تصدعت جدران المسجد وانهارت شوارع في مدينة القدس القديمة، مخططة بالوقت نفسه إنشاء كنس عظيم أمامه.
وما قامت به في حي الشيخ جراح المقدسي من طرد لسكانه الفلسطينيين، وهدم منازلهم، ووضع مخطط لبناء 200 وحدة سكنية لإسكان المستوطنين مكانهم هو دليل أخر على سعي إسرائيل لخلق ثقافة وحضارة لها على أنقاض الحضارة الأصلية، وتدمير لكل المواقع المخالفة تاريخيا لمضمون التاريخ اليهودي الصهيوني.
ويكفي القول إن 66 انتهاكا قامت به إسرائيل ممثلة في حكوماتها أو شعبها المتشبع بأفكار الهاجاناة والأرجون وكاخ وغيرها من المنظمات المتطرفة خلال العام الماضي تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية، منها 71% انتهاكا حصل في مدينة القدس كما تقول مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، غير الانتهاكات تجاه المواطنين الفلسطينيين وترحيلهم وطردهم من مساكنهم في مشهد يشبه ترحيل ستالين للقوميات غير الروسية من مناطقهم إلى سيبريا القاحلة، وتكمل إسرائيل بضمها لهذه الأماكن سيطرتها الفعلية الأمنية والإدارية لأراضي السلطة الفلسطينية لتكمل بعد ذلك تهويده كنتاج طبيعي لحكومة مصابة بالقرف من كل ما غير يهودي.
من هنا تعتنق إسرائيل المبدأ الذي رفضناه نحن العرب بأن صراعنا معها هو صراع وجود لا صراع حدود، وهي تنفذ مخططاتها في ظل صمت عربي رسمي مخزي، واكتفاء بالتنديد والاستنكار، ووصل الأمر إلى حد قيام قوات الأمن الفلسطيني بمنع أهالي الخليل الغاضبين لانتهاك مقدسات أمتهم من رشق قوات الاحتلال.
إن ما تقوم به إسرائيل هو قرصنة للتاريخ والحضارة الإنسانية، وإلصاقها غصبا بالتاريخ اليهودي، وتحامل على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وانتهاك للأعراف والاتفاقيات الدولية، وترسيخ لاحتلال غاشم على شعب أعزل، وتحدي للعرب والمسلمين، وتذكيرا لنا كل يوم بأن إسرائيل باقية رغما عنا، فكيف لنا بعدها أن نستمتع بتعذيب ألسنتنا بمفردات الاستهجان والتنديد والرفض الكلامي؟!

* منشور بجريدة الرؤية العدد59 الصفحة 16.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق