اليوم الخميس السابع من شهر واحد، وصلت إلى المكتبة الرئيسية بجامعة السلطان قابوس، مواقف السيارة تكاد تكون ممتلئة، وهذا العدد الكبير من السيارات لا بد أن يرافقه عدد ضخم من الطلاب، وضعت هذا في اعتباري إن لم أجد في المكتبة الواسعة سأبحث عن مكان أخر، ولا يمكنني أن أعود للشقة، فرغم هدوئها فهي مكان لا يشجع ولا يصلح أصلا للمذاكرة.
الإسبوع الحالي، الإسبوع القادم ، ومن ثم بعد القادم هي أسابيع للامتحانات النهائية، لذلك فطلاب الجامعة هم أشبه بالمستنفر في حالات الطوارئ، تجد الكتاب يصرخ طالبا الرحمة من أياديهم، وأكاد اجزم أن المكان الأول لاستهلاك الأوراق البيضاء (A4) تكون في جامعة السلطان قابوس أيام الامتحانات النهائية، الغالبية تشتريها، وتبدأ مسلسلات الكتابة بقلم الرصاص والأزرق والأسود، طبعا طلاب الكليات العلمية هم الغالبية الذين يستعملون هذه الأوراق، لأنهم بحاجة إلى أن يشرحوا بأنفسهم ولأنفسهم ما استعصى من مسائل وقوانين، وبحاجة إلى ترجمة من اللغة العصرية إلى لغة الأحباب.
بينما يكون طلاب الكليات الإنسانية (الآداب، التربية، الحقوق) تحت راحة أقل، وبالطبع فليس كل تخصصات هذه الكليات سهلة ولا تحتاج للأوراق البيضاء، عن نفسي استخدمها، وطلاب تخصصات الرياضيات وإخوانه من كيمياء (والذي منه) هم مستهلكون لها أيضا، وهذا يعتمد على التخصص وعلى الطالب والمادة، فتجد طالبين في التخصص نفسه، أولهما يمشي على راحته، يذاكر (متى ما دقت في رأسه) ويتركها (يوم تدق في رأسه)، لا يخوض في أمور مهاترات المذاكرة كما يسميها، قد يتابع الأخبار العالمية، ويخرج لتناول أشهى الأطباق في مطاعم الخوض الرائعة، يدخل في الليل إلى مقاهي الانترنت ويقرأ في مواضيع لا تمت لمواده بشيء سواء أنها كما يقول: "كل شيء مرتبط ببعض البعض".
والأخر يستيقظ الصباح مبكرا، ويبدأ يفت الكتاب فتًّا، ولا تسلم صفحة من الكتابة عليها، وتذهب الأوراق البيضاء، وأوراق الملاحظات الصفراء والحمراء والغبراء بين ملاحظة وشرح وهامش تحليل، وهامش مراوغة، وترجمة، أحسب حياته في هذه الأسابيع مثل أحفادنا في أخر الزمان، حينما يخبرون أن غدا ساعة القيامة، تحبسهم الغرف كالزهاد في صومعة الذكر والقراءة، أكلهم (لا يسر صديق ولا عدو).
إذا أتيت يوما إلى المكتبة الرئيسية، ودخلتها ورأيت معظم الطاولات قد استحوذت عليها مقررات الجامعة، والأوراق المغفور لها بعد إعدامها، والأقلام، فأعلم بأن ساعة الصفر قد حانت، وهاهم طلاب الجامعة يستعدون لما يكرم فيه المرء أو يهان بكل ما أوتوا من قوة، ولا تستغرب إن مر عليك احدهم وقد فتح أزرار دشداشته العليا، ويمشي كالذي يتخبطه الحرف من الكتاب، أو إن قام أحدهم فجاءة ووقف أمام النافذة ونظر نظرة في السماء.
بقي أن تعرج للغشاشين، فلله درهم ما ابقوا من طريقة إلا وقدموا بها، ترى ما يصنعون في هذه الأيام؟ أهم في المكتبة الرئيسية؟ أم في البد؟ أم نظن فيهم خيرا، ونقول أنهم لا يستخدمون الغش- الذي أفتوا بإجازته بعد أن عجزوا أن إيجاد مفتي كشيخ الأزهر- إلا في الحالات الطارئة؟